سورة آل عمران - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}
فهو العالم بخفيات الصدور وما اشتملت عليه، وبما في السموات والأرض وما احتوت عليه، علام الغيوب لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا يغيب عنه شي، سبحانه لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة.


{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30)}
{يَوْمَ} منصوب متصل بقوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}. {يَوْمَ تَجِدُ}.
وقيل: هو متصل بقوله: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} {يَوْمَ تَجِدُ}.
وقيل: هو متصل بقوله: {وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ} ويجوز أن يكون منقطعا على إضمار اذكر، ومثله قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ} [إبراهيم: 47، 48] و{مُحْضَراً} حال من الضمير المحذوف من صلة {ما} تقديره يوم تجد كل نفس، ما عملته من خير محضرا. هذا على أن يكون {تَجِدُ} من وجدان الضالة. و{ما} من قوله: {وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} عطف على {ما} الأولى. و{تَوَدُّ} في موضع الحال من {ما} الثانية. وإن جعلت {تَجِدُ} بمعنى تعلم كان {مُحْضَراً} المفعول الثاني، وكذلك تكون {تَوَدُّ} في موضع المفعول الثاني، تقديره يوم تجد كل نفس جزاء ما عملت محضرا. ويجوز أن تكون {ما} الثانية رفعا بالابتداء، و{تَوَدُّ} في موضع رفع على أنه خبر الابتداء، ولا يصح أن تكون {ما} بمعنى الجزاء، لأن {تَوَدُّ} مرفوع، ولو كان ماضيا لجاز أن يكون جزاء، وكان يكون معنى الكلام: وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، أي كما بين المشرق والمغرب. ولا يكون المستقبل إذا جعلت {ما} للشرط إلا مجزوما، إلا أن تحمله على تقدير حذف الفاء، على تقدير: وما عملت من سوء فهي تود. أبو علي: هو قياس قول الفراء عندي، لأنه قال في قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]: إنه على حذف الفاء. والأمد: الغاية، وجمعه آماد. ويقال: استولى على الأمد، أي غلب سابقا. قال النابغة:
إلا لمثلك أو من أنت سابقه *** سبق الجواد إذا استولى على الأمد
والأمد: الغضب. يقال: أمد أمدا، إذا غضب غضبا.


{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)}
الحب: المحبة، وكذلك الحب بالكسر. والحب أيضا الحبيب، مثل الخدن والخدين، يقال أحبه فهو محب، وحبه يحبه بالكسر فهو محبوب. قال الجوهري: وهذا شاد، لأنه لا يأتي في المضاعف يفعل بالكسر. قال أبو الفتح: والأصل فيه حبب كظرف، فأسكنت الباء وأدغمت في الثانية. قال ابن الدهان سعيد: في حب لغتان: حب وأحب، وأصل حب في هذا البناء حبب كظرف، يدل على ذلك قولهم: حببت، وأكثر ما ورد فعيل من فعل. قال أبو الفتح: والدلالة على أحب قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] بضم الياء. و{فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] وحب يرد على فعل لقولهم حبيب. وعلى فعل كقولهم محبوب: ولم يرد اسم الفاعل من حب المتعدي، فلا يقال: أنا حاب. ولم يرد اسم المفعول من أفعل إلا قليلا، كقوله:
مني بمنزلة المحب المكرم ***
وحكى أبو زيد: حببته أحبه. وأنشد:
فو الله لولا تمره ما حببته *** ولا كان أدنى من عويف وهاشم
وأنشد:
لعمرك إنني وطلاب مصر *** لكالمزداد مما حب بعدا
وحكى الأصمعي فتح حرف المضارعة مع الباء وحدها. والحب الخابية، فارسي معرب، والجمع حباب وحببه، حكاه الجوهري. والآية نزلت في وفد نجران إذ زعموا أن ما ادعوه في عيسى حب لله عز وجل، قاله محمد بن جعفر بن الزبير.
وقال الحسن وابن جريج: نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا: نحن الذين نحب ربنا. وروي أن المسلمين قالوا: يا رسول الله، والله إنا لنحب ربنا فأنزل الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}. قال ابن عرفة: المحبة عند العرب إرادة الشيء على قصد له.
وقال الأزهري: محبة العبد لله ورسول طاعته لهما واتباعه أمرهما، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}. ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران، قال الله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ} [آل عمران: 32] أي لا يغفر لهم.
وقال سهل بن عبد الله: علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلامة حب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حب السنة، وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي وحب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة أن يجب نفسه، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة.
وروى أبو الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} قال: «على البر والتقوى والتواضع وذلة النفس» خرجه أبو عبد الله الترمذي. وروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من أراد أن يحبه الله فعليه بصدق الحديث وأداء الأمانة وألا يؤذي جاره».
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يجب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء- قال- ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء أن الله يبغض فلانا فأبغضوه- قال- فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض». وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر سورة مريم إن شاء الله تعالى. وقرأ أبو رجاء العطاردي {فاتبعوني} بفتح الباء، {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} عطف على {يُحْبِبْكُمُ}.
وروى محبوب عن أبي عمرو بن العلاء أنه أدغم الراء من {يَغْفِرْ} في اللام من {لَكُمْ}. قال النحاس: لا يجيز الخليل وسيبويه إدغام الراء في اللام، وأبو عمرو أجل من أن يغلط في مثل هذا، ولعله كان يخفى الحركة كما يفعل في أشياء كثيرة.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12